فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما أتى سبحانه بالاسم الأعظم إشارة إلى عظيم تعاليه عن ذلك، صرح به في قوله دالًا على الثبوت مؤكدًا لأجل دعواهم أنهم صادقون: {وإنهم لكاذبون} ودل على كذبهم أيضًا بإنكاره موبخًا لهم في أسلوب الخطاب زيادة في الإغضاب في قوله: {اصطفى} بهمزة الاستفهام الإنكاري، ومن أسقطها فهي عنده مقدرة مرادة، أي أخبروني هل اختار هذا السيد الذي أنتم مقرون بتمام علمه وشمول قدرته وعلو سؤدده ما تسترذلونه.
ولما كان التعبير بالبنت أكره إليهم من التعبير بالأنثى، والتعبير بالابن أحب إليهم من التعبير بالذكور وأنص على المراد لأن الذكر مشترك بين معان، قال: {البنات} اللاتي تستنكفون أنتم من لحوقهن بكم، وتستحيون من نسبتهن إليكم، حتى أن بعضكم ليصل في إبعادهن إلى الوأد {على البنين} فكان حينئذ نظره لنفسه دون نظر أقلكم فضلًا عن أجلكم، ولذلك عظم حسنًا وتناهى بلاغة قوله: {ما} أي يا معاشر العرب المدعين لصحة العقول وسداد الأنظار والفهوم! أيّ شيء {لكم} من الخير في هذا المقال؟ ثم زاد في التقريع عليه بقوله معجبًا منهم: {كيف تحكمون} أي في كل سألناكم عنه بمثل هذه الأحكام التي لا تصدر عمن له أدنى مسكة من عقله، وعبر بالحكم لاشتهاره فيما يبت فيأبى النقص، فكان التعبير به أعظم في تقريعهم حيث أطلقوه على ما لا أوهى منه.
ولما كان هذا شديد المنافاة للعقول، عظيم البعد عن الطباع، حسن جدًا قوله أيضًا مبكتًا: {أفلا تذكرون} أي أدنى تذكر بما أشارت إليه قراءة من خفف بما جمعت من التخفيف والحذف، فإن الأمر في غاية الظهور لما في عقولكم وطباعكم من أنكم لا ترضون لأنفسكم أخس المنازل، فكيف يختاره لنفسه ربكم الذي بيده كل شيء؟ وإنه لا يكون الولد مطلقًا إلا ممن له جنس، فيكون محتاجًا إلى جنسه، والمحتاج لا يكون إلهًا بوجه، وأشارت قراءة الجماعة بالتشديد والإدغام إلى أن الأمر يحتاج إلى مزيد تذكر بما أشار إليه التشديد مع دقة بما أشار إليه الإدغام لأجل حل شبهة من يرى أفعال من يحيي الموءودة فيظن أن ذلك رغبة منهم في الإناث، وليس ذلك إلا رغبة في دفع فساد القتل ورحمة للضعيف، ولم يقرأ بالفك إشارة إلى أن الأمر غني عن الدرجة العليا في التأمل.
ولما قررهم على شهود ذلك بما تضمن إبطاله عقلًا، فلم يبق من طرق الأدلة إلا السمع، عادل به قوله: {أم لكم} أي على ادعاء ذلك {سلطان} أي دليل سمعي بخبر سماوي قاهر، وأشار إلى أنه لا يتكلم في أحوال الملوك إلا بأمر واضح بقوله: {مبين}.
ولما كان المراد بهذا- ولا بد- البرهان السمعي، بينه بما سبب عنه من قوله: {فأتوا بكتابكم} أي الذي أتاكم بذلك السلطان من الملك في أنه اختار لنفسه ذلك، ودل على كذبهم تلويحًا بعد أن أتى به تصريحًا وهو أنكى ما يكون بالإتيان بأداة الشك في قوله: {إن كنتم صادقين} وهذه الآيات صادرة عن سخط عظيم وإنكار فظيع، والأساليب التي وردت عليها ناطقة بتسفيه أحلام المدعي لذلك وبجهل نفوسهم، واستركاك عقولهم، مع استهزاء وتهكم وتعجيب من أن يخطر مثل ذلك على بال فضلًا عن أن يتخذ معتقدًا، ويتظاهر به مذهبًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149)} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أنه تعالى لما ذكر أقاصيص الأنبياء عليهم السلام عاد إلى شرح مذاهب المشركين وبيان قبحها وسخافتها، ومن جملة أقوالهم الباطلة أنهم أثبتوا الأولاد لله سبحانه وتعالى، ثم زعموا أنها من جنس الإناث لا من جنس الذكور فقال: {فاستفتهم أَلِرَبّكَ البنات وَلَهُمُ البنون} وهذا معطوف على قوله في أول السورة: {فاستفتهم أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا مِن خَلَقْنَا} [الصافات 11] وذلك لأنه تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم باستفتاء قريش عن وجه إنكار البعث أولًا ثم ساق الكلام موصولًا بعضه ببعض إلى أن أمره بأن يستفتيهم في أنهم لم أثبتوا لله سبحانه البنات ولأنفسهم البنين، ونقل الواحدي عن المفسرين أنهم قالوا: إن قريشًا وأجناس العرب جهينة وبني سلمة وخزاعة وبني مليح قالوا: الملائكة بنات الله، واعلم أن هذا الكلام يشتمل على أمرين أحدهما: إثبات البنات لله وذلك باطل لأن العرب كانوا يستنكفون من البنت، والشيء الذي يستنكف المخلوق منه كيف يمكن إثباته للخالق والثاني: إثبات أن الملائكة إناث، وهذا أيضًا باطل لأن طريق العلم إما الحس وإما الخبر وإما النظر، أما الحس: فمفقود هاهنا لأنهم ما شهدوا كيفية تخليق الله الملائة وهو المراد من قوله: {أَمْ خَلَقْنَا الملائكة إناثا وَهُمْ شاهدون} وأما الخبر: فمنقود أيضًا لأن الخبر إنما يفيد العلم إذا علم كونه صدقًا قطعًا وهؤلاء الذين يخبرون عن هذا الحكم كذابون أفاكون، لم يدل على صدقهم لا دلالة ولا أمارة، وهو المراد من قوله: {أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ الله وَإِنَّهُمْ لكاذبون} وأما النظر: فمفقود وبيانه من وجهين الأول: أن دليل العقل من إسناد الأخس إلى الأفضل، فإن كان حكم العقل معتبرًا في هذا الباب كان قولكم باطلًا والوجه الثاني: أن نترك الاستدلال على فساد مذهبهم، بل نطالبهم بإثبات الدليل الدال على صحة مذهبهم فإذا لم يجدوا ذلك الدليل فضده يظهر أنه لم يوجد ما يدل على صحة قولهم وهذا هو المراد من قوله: {أَمْ لَكُمْ سلطان مُّبِينٌ فَأْتُواْ بكتابكم إِن كُنتُمْ صادقين} فثبت بما ذكرنا أن القول الذي ذهبوا إليه لم يدل على صحته، لا الحس ولا الخبر ولا النظر، فكان المصير إليه باطلًا قطعًا، واعلم أنه تعالى لما طالبهم بما يدل على صحة مذهبهم دل ذلك على أن التقليد باطل، وأن الدين لا يصح إلا بالدليل.
المسألة الثانية:
قوله: {أَصْطَفَى البنات على البنين} قراءة العامة بفتح الهمزة وقطعها من {اصطفى} ثم بحذف ألف الوصل وهو استفهام توبيخ وتقريع، كقوله تعالى: {أَمِ اتخذ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} [الزخرف: 16] وقوله تعالى: {أَمْ لَهُ البنات وَلَكُمُ البنون}.
[الطور: 39] وقوله تعالى: {أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى} [النجم: 21] وكما أن هذه المواضع كلها استفهام فكذلك في هذه الآية، وقرأ نافع في بعض الروايات: {لكاذبون اصطفى} موصولة بغير استفهام، وإذا ابتدأ كسر الهمزة على وجه الخبر والتقدير اصطفى البنات في زعمهم كقوله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} [الدخان: 49] في زعمه واعتقاده. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فاستفتهم أَلِرَبِّكَ البنات وَلَهُمُ البنون}.
لما ذكر أخبار الماضين تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم احتج على كفار قريش في قولهم: إن الملائكة بنات اللّه؛ فقال: {فَاْسْتَفْتِهِمْ}.
وهو معطوف على مثله في أول السورة وإن تباعدت بينهم المسافة؛ أي فسل يا محمد أهل مكة {أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ}.
وذلك أن جُهَينة وخزاعة وبني مُلَيْح وبني سلمة وعبد الدار زعموا أن الملائكة بنات اللّه.
وهذا سؤال توبيخ.
{أَمْ خَلَقْنَا الملائكة إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ} أي حاضرون لخلقنا إياهم إناثًا؛ وهذا كما قال اللّه عز وجل: {وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إِنَاثًا أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ} [الزخرف: 19] ثم قال: {أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ} وهو أسوأ الكذب {لَيَقُولُونَ وَلَدَ الله وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} في قولهم إن للّه ولدًا وهو الذي لا يلد ولا يولد.
و{إنّ} بعد {أَلاَ} مكسورة؛ لأنها مبتدأة.
وحكى سيبويه أنها تكون بعد أَمَا مفتوحة أو مكسورة؛ فالفتح على أن تكون أَمَا بمعنى حقًّا، والكسر على أن تكون أَمَا بمعنى أَلاَ.
النحاس: وسمعت علي بن سليمان يقول يجوز فتحها بعد أَلاَ تشبيهًا بأَمَا، وأمّا في الآية فلا يجوز إلا كسرها؛ لأن بعدها الرفع.
وتمام الكلام {لَكَاذِبُونَ}.
ثم يبتدىء {لَيَقُولُونَ وَلَدَ الله وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} على معنى التقريع والتوبيخ كأنه قال: ويْحكم {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ} أي أختار النباتِ وترك البنين.
وقراءة العامة {أَصْطَفَى} بقطع الألف؛ لأنها ألف استفهام دخلت على ألف الوصل، فحذفت ألف الوصل وبقيت ألف الاستفهام مفتوحة مقطوعة على حالها مثل: {أَطَّلَعَ الغيب} على ما تقدم.
وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وحمزة {اصطفى} بوصل الألف على الخبر بغير استفهام.
وإذا ابتدأ كسر الهمزة.
وزعم أبو حاتم أنه لا وجه لها؛ لأن بعدها {مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} فالكلام جارٍ على التوبيخ من جهتين: إحداهما أن يكون تبيينًا وتفسيرًا لما قالوه من الكذب ويكون {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} منقطعًا مما قبله.
والجهة الثانية أنه قد حكى النحويون منهم الفراء أن التوبيخ يكون باستفهام وبغير استفهام كما قال جل وعز: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدنيا} [الأحقاف: 20].
وقيل: هو على إضمار القول؛ أي ويقولون {اصطفى الْبَنَاتِ}.
أو يكون بدلًا من قوله: {وَلَدَ اللَّهُ} لأن ولادة البنات واتخاذهن اصطفاء لهنّ، فأبدل مثال الماضي من مثال الماضي فلا يوقف على هذا على {لَكَاذِبُونَ}.
{أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} في أنه لا يجوز أن يكون له ولد.
{أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ} حجة وبرهان.
{فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ} أي بحججكم {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} في قولكم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فاستفتهم} أمر الله عزَّ وجلَّ في صدر السُّورة الكريمةِ رسولَه صلى الله عليه وسلم بتبكيتِ قُريشٍ وإبطالِ مذهبِهم في إنكارِ البعثِ بطريقِ الاستفتاءِ وساقَ البراهينَ القاطعةَ النَّاطقة بتحقُّقةِ لا محالة وبيَّن وقوعَه وما سيلقَونه عند ذلك من فُنون العذابِ واستثنى منهم عبادَه المُخلَصين وفصَّل ما لهم من النَّعيمِ المقيمِ ثم ذكر أنَّه قد ضلَّ من قبلهم أكثرُ الأوَّلينَ وأنَّه تعالى أرسلَ إليهم منذرينَ على وجهِ الإجمالِ ثم أوردَ قصص كلِّ واحدٍ منهم على وجهِ التَّفصيلِ مبيِّنًا في كل قصَّةِ منها أنَّهم من عبادِه تعالى واصفًا لهم تارةً بالإخلاصِ وأُخرى بالإيمانِ ثم أمره عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ هاهنا بتبكيتِهم بطريقِ الاستفتاءِ عن وجهِ أمرٍ منكرٍ خارج عن العقول بالكلِّيةِ وهي القسمةُ الباطلةُ اللازمةُ لما كانُوا عليه من الاعتقاد الزَّائغِ حيثُ كانُوا يقولون كبعض أجناس العربِ جُهينةَ وبني سلمةَ وخُزاعةَ وبني مَليحٍ، الملائكةُ بناتُ الله والفاء لترتيب الأمرِ على ما سبق من كون أولئك الرُّسلِ الذين هم أعلامُ الخَلْقِ عليهم الصلاة والسلام عبادَه تعالى فإنَّ ذلك ممَّا يؤكِّدُ التَّبكيتَ ويُظهر بُطلانَ مذهبهم الفاسد ثم تبكيتُهم بما يتضمَّنُه كفرهم المذكورُ من الاستهانةِ بالملائكةِ يجعلهم إناثًا ثم أبطل أصلَ كفرهم المنطوي على هذينِ الكفرينِ وهو نسبةُ الولِد إليه سبحانَه وتعالى عن ذلك علوًَّا كبيرًا ولم ينظمه في سلكِ التَّبكيتِ لمشاركتهم النَّصارى في ذلك أي فاستخبرْهم {أَلِرَبّكَ البنات} اللاتي هن أوضعُ الجنسينِ {وَلَهُمُ البنون} الذين هم أرفعُهما فإنَّ ذلك ممَّا لا يقولُ به من له أدنى شيءٍ من العقلِ.
وقوله تعالى: {أَمْ خَلَقْنَا الملائكة إناثا} إضرابٌ وانتقالٌ من التَّبكيت بالاستفتاءِ السَّابقِ إلى التَّبكيتِ بهذا كما أُشير إليه أي بل أخلقنا الملائكةَ الذين هم من أشرفِ الخلائقِ وأبعدِهم من صفات الأجسامِ ورذائل الطَّبائعِ إناثًا والأُنوثةُ من أخسِّ صفاتِ الحيوانِ. وقوله تعالى: {وَهُمْ شاهدون} استهزاءً بهم تجهيلٌ لهم كقولِه تعالى: {أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ} وقوله تعالى: {مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السموات والأرض وَلاَخَلْقَ أَنفُسِهِمْ} فإنَّ أمثالَ هذه الأمورِ لا تُعلم إلا بالمشاهدةِ إذ لا سبيلَ إلى معرفتِها بطريقِ العقلِ وانتفاء النَّقلِ ممَّا لا ريَب فيه فلابد أنْ يكون القائل بأنوثتهم شاهدًا عند خلقِهم والجملةُ إمَّا حال من فاعلِ خلقنا أي بل أخلقناهُم إناثًا والحالُ أنهم حاضرون حينئذٍ أو عطفٌ على خلقنا أي بل أهم شاهدون وقوله تعالى: {أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ الله} استئنفاف من جهته غيرُ داخلٍ تحت الأمر بالاستفتاء مسوقٌ لإبطالِ أصل مذهبِهم الفاسدِ ببيان أنَّ مبناهُ ليس إلاَّ الإفكُ الصَّريحُ والافتراء القبيحُ من غير أنْ يكونَ لهم دليلٌ أو شبهة قطعًا {وَإِنَّهُمْ لكاذبون} في قولِهم ذلك كَذِبًا بيِّنًا لا ريبَ فيه. وقُرئ {ولدُ الله} على أنه خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ أي الملائكةُ ولدُه تعالَى عن ذلك عُلوًَّا كبيرًا فإنَّ الولدَ فعل بمعنى مفعولٍ يستوِي فيه الواحدُ والجمعُ والمذكَّرُ والمؤنَّثُ {أَصْطَفَى البنات على البنين} إثباتٌ لإفكِهم وتقريرٌ لكذبِهم فيما قالوا ببيان استلزامه لأمر بيِّن الاستحالة هو اصطفاؤه تعالى البنات على البنينَ، والاصطفاءُ أخذُ صفوةِ الشَّيءِ لنفسِه، وقُرئ بكسرِ الهمزةِ على حذفِ حرفِ الاستفهامِ ثقةً بدلالةِ القَرَائنِ عليهِ وجعله بدلًا من ولدَ الله ضعيفٌ وتقديرُ القولِ أي لكاذبونَ في قولِهم اصطفَى الخ تعسُّفٌ بعيدٌ.
{مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} بهذا الحكمِ الذين يَقضي ببطلانِه بديهةُ العقلِ {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} بحذفِ إحدى التَّاءينِ من تتذكَّرون، وقُرئ {تذكُرون} من ذَكَر، والفاءُ للعطفِ على مقدَّرٍ أي أَلاَ تُلاحِظُون ذلك فلا تتذكَّرون بطلانَهُ فإنَّه مركوزٌ في عقلِ كلِّ ذكيَ وغبيَ.
{أَمْ لَكُمْ سلطان مُّبِينٌ} إضرابٌ وانتقالٌ من توبيخِهم وتبكيتِهم بما ذُكر إلي تبكيتِهم بتكليفِهم ما لا يدخلُ تحتَ الوجودِ أصلًا أي بل ألكُم حجَّةٌ واضحةٌ نزلتْ عليكم من السَّماءِ بأنَّ الملائكةَ بناتُه تعالى ضرورةَ أنَّ الحكمَ بذلك لابد له من سندٍ حسيَ أو عقلي وحيثُ انتفى كلاهُما فلابد من سندٍ نقليَ {فَأْتُواْ بكتابكم} النَّاطقِ بصَّحةِ دَعْواكم {إِن كُنتُمْ صادقين} فيها وفي هذه الآياتِ من الإنباءِ عن السُّخطِ العظيمِ والإنكارِ الفظيعِ لأقاويلهم والاستبعادِ الشَّديدِ لأباطيلِهم وتسفيِه أحلامِهم وتركيكِ عقولِهم وأفهامِهم مع استهزاءٍ بهم وتعجيبٍ من جهلِهم مَا لا يَخْفى عَلَى من تأمَّل فيها. اهـ.

.قال الألوسي:

{فاستفتهم أَلِرَبّكَ البنات وَلَهُمُ البنون}.
أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في صدور السورة الكريمة بتبكيت قريش وإبطال مذهبهم في إنكار البعث بطريق الاستفتاء وساق البراهين الناطقة بتحققه لا محالة وبين وقوعه وما يلقونه عند ذلك من فنون العذاب واستثنى منهم عباده المخلصين وفصل سبحانه ما لهم من النعيم المقيم، ثم ذكر سبحانه أنه قد ضل من قبلهم أكثر الأولين وأنه تعالى أرسل إلهيم منذرين على وجه الإجمال، ثم أورد قصص بعض الأنبياء عليهم السلام بنوع تفصيل متضمنًا كل منها ما يدل على فضلهم وعبوديتهم له عز وجل، ثم أمره صلى الله عليه وسلم هاهنا بتبكيتهم بطريق الاستفتاء عن وجه ما تنكره العقول بالكلية وهي القسمة الباطلة اللازمة لما كانوا عليه من الاعتقاد الزائغ حيث كانوا يقولون كبعض أجناس العرب جهينة.
وسليم.